02‏/01‏/2012

العنصرية

بسم الله الرحمن الرحيم 
لا تنبع التفرقة العنصرية من البشر بل من العقل البشري، وبالتالي فإن الحل للتمييز العنصري والنفور من الآخر وسائر مظاهر عدم المساواة ينبغي، أولاً وقبل كل شيء، أن يعالج الأوهام العقلية التي أفرزت مفاهيم زائفة، على مر آلاف السنين، عن تفوق جنس على آخر من الأجناس البشرية. ففي جذور هذا التعصب العرقي تقبع الفكرة الخاطئة بان الجنس البشري مكون من حيث الأساس من أجناس منفصلة وطبقات متعددة، وأن هذه الجماعات البشرية المختلفة تتمتع بكفاءات عقلية وأخلاقية وبدنية متفاوتة تستوجب أنماطاً مختلفة من التعامل. والحقيقة أنه لا يوجد سوى جنس بشري واحد. فنحن شعب واحد يسكن كوكباً واحداً: نحن أسرة بشرية مرتبطة بمصير مشترك ومرهونة بأن "تكون كنفس واحدة". إن الاعتراف بهذه الحقيقة هو الترياق الأمثل لمرض العنصرية والخوف من الآخر ولسائر مظاهر التفرقة. وبالتالي فإن هذه الحقيقة يجب أن تكون المبدأ المرشد والنتيجة الحتمية وراء مناقشات وتوصيات "مؤتمر دربان Durban Review Conference". إن فهماً صحيحاً لهذه الحقيقة من شأنه أن ينقل الإنسانية إلى مرحلة تتجاوز فيها الأفكار الوسطية من التسامح المبني على تعدد الثقافات. مثل هذه المفاهيم تمثل خطوات فعالة نحو عالم عادل وسلمي ولكنها لا تكفي وحدها لاستئصال الآلام المتأصلة للعنصرية ولسائر أنواع التعصب.
إن مبدأ وحدة العالم الإنساني يضرب وتراً حساساً في أعماق الروح. فهو ليس مجرد طريقة للحديث عن مثاليات للتضامن. ولا هو مجرد مفهوم غامض أو شعار. ولكنه يعكس حقيقة أبدية، روحية، أخلاقية ومادية تبلورت خلال عملية بلوغ الجنس البشري مرحلة النضج في القرن العشرين. هذه الحقيقة أصبحت أكثر وضوحاً اليوم لأن شعوب العالم أصبح أمامها طرق كثيرة لتدرك إعتماد عنصر كل منها على الآخر وتصبح مدركة لتحقق وحدتها الحتمية.
إن استيعاب فكرة الوحدة الكلية للجنس البشري يتأتى بعد عملية تاريخية تحوّل خلالها الأفراد إلى وحدات بشرية أكبر. فمن عشائر إلى قبائل، ثم إلى دويلات وأمم، ثم إلى اتحادات وروابط دول، يصبح من الطبيعي أن الخطوة التالية هي خلق حضارة عالمية متنوعة، وموحدة في الوقت ذاته. حضارة تكون فيها جميع الشعوب والثقافات أجزاء متكاملة في بناء واحد هو الجنس البشري نفسه. وكما حدد حضرة بهاءالله منذ أكثر من مائة عام "ما الأرض إلا وطن واحد والبشر سكانه".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق